الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم ***
{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} يأمر الله تعالى بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها، وحفظ حدودها وأدائها في أوقاتها، كما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: "الصلاة على وقتها". قلت: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله". قلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين". قال: حدثني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو استزدتُه لزادني. وقال الإمام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا ليث، عن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم، عن القاسم بن غنام، عن جدته أم أبيه الدنيا، عن جدته أم فَرْوَة -وكانت ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الأعمال، فقال: "إن أحب الأعمال إلى الله تعجيلُ الصلاة لأول وقتها". وهكذا رواه أبو داود، والترمذي وقال: لا نعرفه إلا من طريق العمري، وليس بالقوي عند أهل الحديث: وخص تعالى من بينها بمزيد التأكيد الصلاة الوسطى. وقد اختلف السلف والخلف فيها: أي صلاة هي؟ فقيل: إنها الصبح. حكاه مالك في الموطأ بلاغًا عن علي، وابن عباس [قال: مالك: وذلك رأيى] . وقال هشيم، وابن عُليَّة، وغُنْدَر، وابن أبي عدي، وعبد الوهاب، وشَريك وغيرهم، عن عوف الأعرابي، عن أبي رجاء العطاردي قال: صليت خلف ابن عباس الفجر، فقنتَ فيها، ورفع يديه، ثم قال: هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا أن نقوم فيها قانتين. رواه ابن جرير . ورواه أيضًا من حديث عوف، عن خِلاس بن عمرو، عن ابن عباس، مثله سواء. وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا عوف، عن أبي المنهال، عن أبي العالية، عن ابن عباس: أنه صلى الغداة في مسجد البصرة، فقنت قبل الركوع وقال: هذه الصلاة الوسطى التي ذكرها الله في كتابه فقال: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} وقال أيضًا: حدثنا محمد بن عيسى الدامغاني، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا الربيع بن أنس، عن أبي العالية قال: صليت خلف عبد الله بن قيس بالبصرة صلاة الغداة، فقلت لرجل من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى جانبي: ما الصلاة الوسطى؟ قال: هذه الصلاة. وروي من طريق أخرى عن الربيع، عن أبي العالية: أنه صلى مع أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صلاة الغداة، فلما فرغوا قال، قلت لهم: أيَّتهُنَّ الصلاة الوسطى؟ قالوا: التي قد صليتها قبل. وقال أيضًا: حدثنا ابن بشار، حدثنا ابن عَتمَةَ، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن جابر بن عبد الله قال: الصلاة الوسطى: صلاة الصبح. وحكاه ابن أبي حاتم، عن ابن عمر، وأبي أمامة، وأنس، وأبي العالية، وعُبَيد بن عمير، وعطاء، ومجاهد، وجابر بن زيد، وعكرمة، والربيع بن أنس. ورواه ابن جرير، عن عبد الله بن شداد بن الهاد أيضا وهو الذي نص عليه الشافعي، رحمه الله، محتجا بقوله: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} والقنوت عنده في صلاة الصبح. [ونقله الدمياطي عن عمر، ومعاذ، وابن عباس، وابن عمر، وعائشة على خلاف منهم، وأبي موسى، وجابر، وأنس، وأبي الشعثاء، وطاوس، وعطاء، وعكرمة، ومجاهد]. ومنهم من قال: هي الوسطى باعتبار أنها لا تقصر، وهي بين صلاتين رباعيتين مقصورتين. وترد المغرب. وقيل: لأنها بين صلاتَيْ ليل جهريتين، وصلاتي نهار سريتين. وقيل: إنها صلاة الظهر. قال أبو داود الطيالسي في مسنده: حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزبرقان - يعني ابن عمرو -عن زهرة -يعني ابن معبد -قال: كنا جلوسا عند زيد بن ثابت، فأرسلوا إلى أسامة، فسألوه عن الصلاة الوسطى، فقال: هي الظهر، كان النبي صلى الله عليه وسلم، يصليها بالهجير. وقال [الإمام] أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، حدثني عمْرو بن أبي حكيم، سمعت الزبرقان يحدث عن عروة بن الزبير، عن زيد بن ثابت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة، ولم يكن يُصَلِّي صلاة أشد على أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، منها، فنزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} وقال: "إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين"، ورواه أبو داود في سننه، من حديث شعبة، به. وقال أحمد أيضا: حدثنا يزيد، حدثنا ابن أبي ذئب عن الزبرقان أن رهطًا من قريش مر بهم زيد بن ثابت، وهم مجتمعون، فأرسلوا إليه غلامين لهم؛ يسألانه عن الصلاة الوسطى، فقال: هي العصر. فقام إليه رجلان منهم فسألاه، فقال: هي الظهر. ثم انصرفا إلى أسامة بن زيد فسألاه، فقال: هي الظهر؛ إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهجير، فلا يكون وراءه إلا الصف والصفان، والناس في قائلتهم وفي تجارتهم، فأنزل الله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليَنْتَهيَنَّ رجال أو لأحرقن بيوتهم". الزبرقان هو ابن عمرو بن أمية الضمري، لم يدرك أحدا من الصحابة. والصحيح ما تقدم من روايته، عن زهرة بن معبد، وعروة بن الزبير. وقال شعبة وهمام، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، عن زيد بن ثابت قال: الصلاة الوسطى: صلاة الظهر. وقال أبو داود الطيالسي وغيره، عن شعبة، أخبرني عمر بن سليمان، من ولد عمر بن الخطاب قال: سمعت عبد الرحمن بن أبان بن عثمان، يحدث عن أبيه، عن زيد بن ثابت قال: الصلاة الوسطى هي الظهر. ورواه ابن جرير، عن زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، عن عبد الصمد، عن شعبة، عن عمر بن سليمان، به، عن زيد بن ثابت، في حديث رفعه قال: الصلاة الوسطى صلاة الظهر. وممن روي عنه أنها الظهر: ابن عمر، وأبو سعيد، وعائشة على اختلاف عنهم. وهو قول عروة بن الزبير، وعبد الله بن شداد بن الهاد. ورواية عن أبي حنيفة، رحمهم الله. وقيل: إنها صلاة العصر. قال الترمذي والبغوي، رحمهما الله: وهو قول أكثر علماء الصحابة وغيرهم، وقال القاضي الماوردي: وهو قول جمهور التابعين. وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: هو قول أكثر أهل الأثر. وقال أبو محمد بن عطية في تفسيره: هو قول جمهور الناس. وقال الحافظأبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي في كتابه المسمى: "كشف المغطى، في تبيين الصلاة الوسطى": وقد نصر فيه أنها العصر، وحكاه عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي أيوب، وعبد الله ابن عمرو، وسَمُرة بن جُنْدُب، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وحفصة، وأم حبيبة، وأم سلمة. وعن ابن عمر، وابن عباس، وعائشة على الصحيح عنهم. وبه قال عبيدة، وإبراهيم النخعي، وزر بن حبيش، وسعيد بن جبير، وابن سيرين، والحسن، وقتادة، والضحاك، والكلبي، ومقاتل، وعبيد بن أبي مريم، وغيرهم وهو مذهب أحمد بن حنبل. قال القاضي الماوردي: والشافعي. قال ابن المنذر: وهو الصحيح عن أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، واختاره ابن حبيب المالكي، رحمهم الله. ذكر الدليل على ذلك: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن مسلم، عن شتير بن شكل عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: "شغلونا عن الصلاة الوسطى، صلاة العصر، ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارًا". ثم صلاها بين العشاءين: المغرب والعشاء. وكذا رواه مسلم، من حديث أبي معاوية محمد بن حازم الضرير، والنسائي من طريق عيسى بن يونس، كلاهما عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن أبي الضحى، عن شتير بن شكل بن حميد، عن علي بن أبي طالب، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وقد رواه مسلم أيضا، من طريق شعبة، عن الحكم بن عتيبة عن يحيى بن الجزار، عن علي، به. وأخرجه الشيخان، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وغير واحد من أصحاب المساند والسنن، والصحاح من طرق يطول ذكرها، عن عبيدة السلماني، عن علي، به. ورواه الترمذي، والنسائي من طريق الحسن البصري، عن علي، به. قال الترمذي: ولا يعرف سماعه منه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن عاصم، عن زر: قال قلت لعبيدة: سل عليًا عن صلاة الوسطى، فسأله، فقال: كنا نراها الفجر -أو الصبح -حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب: "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله قبورهم وأجوافهم -أو بيوتهم -نارًا" ورواه ابن جرير، عن بندار، عن ابن مهدي، به. وحديث يوم الأحزاب، وشَغْل المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه عن أداء صلاة العصر يومئذ، مروي عن جماعة من الصحابة يطول ذكرهم، وإنما المقصود رواية من نص منهم في روايته أن الصلاة الوسطى: هي صلاة العصر. وقد رواه مسلم أيضا، من حديث ابن مسعود، والبراء بن عازب -رضي الله عنهما. حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا همام، عن قتادة، عن الحسن، عن سَمُرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الوسطى: صلاة العصر". وحدثنا بهز، وعفان قالا حدثنا أبان، حدثنا قتادة، عن الحسن، عن سَمُرة: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} وسماها لنا أنها هي: صلاة العصر. وحدثنا محمد بن جعفر، وروح، قالا حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سَمُرة بن جندب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هي العصر". قال ابن جعفر: سئل عن صلاة الوسطى. ورواه الترمذي، من حديث سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة. وقال: حسن صحيح: وقد سُمِعَ منه. [حديث آخر] : وقال ابن جرير: حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن التيمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاة الوسطى صلاة العصر". طريق أخرى، بل حديث آخر: وقال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثنا سليمان بن أحمد الجرشي الواسطي، حدثنا الوليد بن مسلم. قال: أخبرني صدقة بن خالد، حدثني خالد بن دهقان، عن خالد بن سبلان، عن كهيل بن حرملة. قال: سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى، فقال: اختلفنا فيها كما اختلفتم فيها، ونحن بفناء بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفينا الرجل الصالح: أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، فقال: أنا أعلم لكم ذلك: فقام فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عليه، ثم خرج إلينا فقال: أخبرنا أنها صلاة العصر غريب من هذا الوجه جدًا. حديث آخر: قال ابن جرير: حدثنا أحمد بن إسحاق، حدثنا أبو أحمد، حدثنا عبد السلام، عن سالم مولى أبي بصير حدثني إبراهيم بن يزيد الدمشقي قال: كنت جالسًا عند عبد العزيز بنمروان فقال: يا فلان، اذهب إلى فلان فقل له: أي شيء سمعت من رسول الله، صلى الله عليه وسلم. في الصلاة الوسطى؟ فقال رجل جالس: أرسلني أبو بكر وعمر -وأنا غلام صغير -أسأله عن الصلاة الوسطى، فأخذ إصبعي الصغيرة فقال: هذه الفجر، وقبض التي تليها، فقال: هذه الظهر. ثم قبض الإبهام، فقال: هذه المغرب. ثم قبض التي تليها، فقال: هذه العشاء. ثم قال: أي أصابعك بقيت؟ فقلت: الوسطى. فقال: أي الصلاة بقيت؟ فقلت: العصر. فقال: هي العصر. غريب أيضًا. حديث آخر: قال ابن جرير: حدثني محمد بن عوف الطائي، حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش حدثني أبي، حدثني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاة الوسطى صلاة العصر". إسناده لا بأس به. حديث آخر: قال أبو حاتم بن حبان في صحيحه: حدثنا أحمد بن يحيى بن زهير، حدثنا الجراح بن مخلد، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا همام عن قتادة عن مُوَرِّق العِجْلي، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الوسطى صلاة العصر". وقد روى الترمذي، من حديث محمد بن طلحة بن مصرف، عن زبيد اليامي، عن مُرَّة الهَمداني، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الوسطى صلاة العصر " ثم قال: حسن صحيح. وأخرجه مسلم في صحيحه، من طريق محمد بن طلحة، به ولفظه: "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر" الحديث. فهذه نصوص في المسألة لا تحتمل شيئا، ويؤكد ذلك الأمر بالمحافظة عليها، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، من رواية الزهري، عن سالم، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " . وفي الصحيح أيضًا، من حديث الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قِلابة، عن أبي المهاجر عن بُرَيدة بن الحُصَيْب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بكروا بالصلاة في يوم الغيم، فإنه من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله" . وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، أخبرنا ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة، عن أبي تميم، عن أبي بصرة الغفاري قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في واد من أوديتهم، يقال له: المخَمَّص صلاة العصر، فقال: "إن هذه الصلاة صلاة العصر عُرِضَت على الذين من قبلكم فضيعوها، ألا ومن صلاها ضُعِّف له أجره مرتين، ألا ولا صلاة بعدها حتى تروا الشاهد". ثم قال: رواه عن يحيى بن إسحاق، عن الليث، عن خير بن نُعيِم، عن عبد الله بن هبيرة، به. وهكذا رواه مسلم والنسائي جميعا، عن قتيبة، عن الليث . ورواه مسلم أيضاً من حديث محمد بن إسحاق، حدثني يزيد بن أبي حبيب كلاهما عن خير بن نعيم الحضرمي، عن عبد الله ابن هبيرة السبائي . فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد أيضا: حدثنا إسحاق، أخبرني مالك، عن زيد بن أسلم، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي يونس مولى عائشة قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً، قالت: إذا بلغت هذه الآية: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} فآذني. فلما بلغتها آذنتها، فأملت علي: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين" قالت: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا رواه مسلم، عن يحيى بن يحيى، عن مالك، به. وقال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثنا الحجاج، حدثنا حماد، عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان في مصحف عائشة: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر". وهكذا رواه من طريق الحسن البصري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها كذلك. وقد روى الإمام مالك أيضا، عن زيد بن أسلم عن عمرو بن رافع قال: كنت أكتب مصحفا لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} فلما بلغتها آذنتها. فأملت علي: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين". وهكذا رواه محمد بن إسحاق بن يسار فقال: حدثني أبو جعفر محمد بن علي، ونافع مولى بن عمر: أن عمر بن نافع قال. فذكر مثله، وزاد: كما حفظتها من النبي صلى الله عليه وسلم. طريق أخرى عن حفصة: قال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن عبد الله بن يزيد الأزدي، عن سالم بن عبد الله: أن حفصة أمرت إنساناً أن يكتب لها مصحفا، فقالت: إذا بلغت هذه الآية: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} فآذني. فلما بلغ آذنها فقالت: اكتب: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر". طريق أخرى: قال ابن جرير: حدثني ابن المثنى عبد الوهاب، حدثنا عبيد الله، عن نافع، أن حفصة أمرت مولى لها أن يكتب لها مصحفا فقالت: إذا بلغت هذه الآية: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى " فلا تكتبها حتى أمليها عليك كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها. فلما بلغها أمرته فكتبها: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين". قال نافع: فقرأت ذلك المصحف فرأيت فيه "الواو". وكذا روى ابن جرير، عن ابن عباس وعبيد بن عمير أنهما قرآ كذلك. وقال ابن جرير: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا عبدة، حدثنا محمد بن عمرو، حدثني أبو سلمة، عن عمرو بن رافع مولى عمر قال: كان في مصحف حفصة: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين". وتقرير المعارضة أنه عطف صلاة العصر على الصلاة الوسطى بواو العطف التي تقتضي المغايرة، فدل ذلك على أنها غيرها وأجيب عن ذلك بوجوه: أحدها أن هذا إن روي على أنه خبر، فحديث علي أصح وأصرح منه، وهذا يحتمل أن تكون الواو زائدة، كما في قوله: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55]، {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام:75]، أو تكون لعطف الصفات لا لعطف الذوات، كقوله: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40]، وكقوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} [الأعلى 1-4] وأشباه ذلك كثيرة، وقال الشاعر: إلى الملك القرم وابن الهمام *** وليث الكتيبة في المزدحم وقال أبو دؤاد الإيادي: سلط الموت والمنون عليهم *** فلهم في صدى المقابر هام والموت هو المنون؛ قال عدي بن زيد العبادي: فقدمت الأديم لراهشيه *** فألفى قولها كذبا ومينا والكذب: هو المين، وقد نص سيبويه شيخ النحاة على جواز قول القائل: مررت بأخيك وصاحبك، ويكون الصاحب هو الأخ نفسه، والله أعلم. وأما إن روي على أنه قرآن فإنه لم يتواتر، فلا يثبت بمثل خبر الواحد قرآن؛ ولهذا لم يثبته أمير المؤمنين عثمان بن عفان في المصحف الإمام، ولا قرأ بذلك أحد من القراء الذين تثبت الحجة بقراءتهم، لا من السبعة ولا غيرهم. ثم قد روي ما يدل على نسخ هذه التلاوة المذكورة في هذا الحديث. قال مسلم: حدثنا إسحاق بن راهويه، أخبرنا يحيى بن آدم، عن فضيل بن مرزوق، عن شقيق بن عقبة، عن البراء بن عازب، قال: نزلت: "حافظوا على الصلوات وصلاة العصر " فقرأناها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله، ثم نسخها الله، عز وجل، فأنزل: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} فقال له زاهر -رجل كان مع شقيق -: أفهي العصر؟ قال: قد حدثتك كيف نزلت، وكيف نسخها الله، عز وجل. قال مسلم: ورواه الأشجعي، عن الثوري، عن الأسود، عن شقيق. قلت: وشقيق هذا لم يرو له مسلم سوى هذا الحديث الواحد، والله أعلم. فعلى هذا تكون هذه التلاوة، وهي تلاوة الجادة، ناسخة للفظ رواية عائشة وحفصة، ولمعناها، إن كانت الواو دالة على المغايرة، وإلا فللفظها فقط، والله أعلم. وقيل: إن الصلاة الوسطى هي صلاة المغرب. رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس. وفي إسناده نظر؛ فإنه رواه عن أبيه، عن أبي الجُمَاهر عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن عمه، عن ابن عباس قال: صلاة الوسطى: المغرب. وحكى هذا القول ابن جرير عن قبيصة بن ذؤيب وحكي أيضاً عن قتادة على اختلاف عنه. ووجه هذا القول بعضهم بأنها: وسطى في العدد بين الرباعية والثنائية، وبأنها وتر المفروضات، وبما جاء فيها من الفضيلة، والله أعلم. وقيل: إنها العشاء الآخرة، اختاره علي بن أحمد الواحدي في تفسيره المشهور: وقيل: هي واحدة من الخمس، لا بعينها، وأبهمت فيهن، كما أبهمت ليلة القدر في الحول أو الشهر أو العشر. ويحكى هذا القول عن سعيد بن المسيب، وشريح القاضي، ونافع مولى ابن عمر، والربيع بن خيثم، ونقل أيضاً عن زيد بن ثابت، واختاره إمام الحرمين الجويني في نهايته. وقيل: بل الصلاة الوسطى مجموع الصلوات الخمس، رواه ابن أبي حاتم عن ابن عمر، وفي صحته أيضاً نظر والعجب أن هذا القول اختاره الشيخ أبو عمر بن عبد البر النَّمري، إمام ما وراء البحر، وإنها لإحدى الكبر، إذ اختاره -مع اطلاعه وحفظه -ما لم يقم عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا أثر. وقيل: إنها صلاة العشاء وصلاة الفجر، وقيل: بل هي صلاة الجماعة. وقيل: صلاة الجمعة. وقيل: صلاة الخوف. وقيل: بل صلاة عيد الفطر. وقيل: بل صلاة عيد الأضحى. وقيل: الوتر. وقيل: الضحى. وتوقف فيها آخرون لما تعارضت عندهم الأدلة، ولم يظهر لهم وجه الترجيح. ولم يقع الإجماع على قول واحد، بل لم يزل التنازع فيها موجودا من زمن الصحابة وإلى الآن. قال ابن جرير: حدثني محمد بن بشار وابن مثنى، قالا حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلفين في الصلاة الوسطى هكذا، وشَبَّك بين أصابعه. [وقد حكى فخر الدين الرازي في تفسيره قولا عن جمع من العلماء منهم زيد بن ثابت، وربيع ابن خيثم: أنها لم يرد بيانها، وإنما أريد إبهامها، كما أبهمت ليلة القدر في شهر رمضان، وساعة الإجابة في يوم الجمعة، والاسم الأعظم في أسماء الله تعالى، ووقت الموت على المكلف؛ ليكون في كل وقت مستعداً، وكذا أبهمت الليلة التي ينزل فيها من السماء وباء ليحذرها الناس، ويعطوا الأهبة دائماً، وكذا وقت الساعة استأثر الله بعلمه؛ فلا تأتي إلا بغته]. وكل هذه الأقوال فيها ضعف بالنسبة إلى التي قبلها، وإنما المدار ومعترك النزاع في الصبح والعصر. وقد ثبتت السنة بأنها العصر، فتعين المصير إليها. وقد روى الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في كتاب "فضائل الشافعي" رحمه الله: حدثنا أبي، سمعت حرملة بن يحيى التجيبي يقول: قال الشافعي: كل ما قلت فكان عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قولي مما يصح، فحديث النبي صلى الله عليه وسلم أولى، ولا تقلدوني. وكذا روى الربيع والزعفراني وأحمد بن حنبل، عن الشافعي. وقال موسى أبو الوليد بن أبي الجارود، عن الشافعي: إذا صح الحديث وقلت قولا فأنا راجع عن قولي وقائل بذلك. فهذا من سيادته وأمانته، وهذا نفس إخوانه من الأئمة، رحمهم الله ورضي عنهم أجمعين آمين. ومن هاهنا قطع القاضي الماوردي بأن مذهب الشافعي، رحمه الله، أن صلاة الوسطى هي صلاة العصر، وإن كان قد نص في الجديد وغيره أنها الصبح، لصحة الأحاديث أنها العصر، وقد وافقه على هذه الطريقة جماعة من محدثي المذهب، ولله الحمد والمنة. ومن الفقهاء في المذهب من ينكر أن تكون هي العصر مذهباً للشافعي، وصمموا على أنها الصبح قولا واحداً. قال الماوردي: ومنهم من حكى في المسألة قولين، ولتقرير المعارضات والجوابات موضع آخر غير هذا، وقد أفردناه على حدة، ولله الحمد والمنة. وقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} أي: خاشعين ذليلين مستكينين بين يديه، وهذا الأمر مستلزم ترك الكلام في الصلاة، لمنافاته إياها؛ ولهذا لما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الرد على ابن مسعود حين سلم عليه، وهو في الصلاة، اعتذر إليه بذلك، وقال. "إن في الصلاة لشغلا"، وفي صحيح مسلم أنه عليه السلام قال لمعاوية بن الحكم [السلمي] حين تكلم في الصلاة: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وذكر الله". وقال الإمام أحمد، حدثنا يحيى بن سعيد، عن إسماعيل، حدثني الحارث بن شبيل، عن أبي عمرو الشيباني، عن زيد بن أرقم قال: كان الرجل يكلم صاحبه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، في الحاجة في الصلاة، حتى نزلت هذه الآية: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فأمرنا بالسكوت. رواه الجماعة -سوى ابن ماجة، به، من طرق عن إسماعيل، به. وقد أشكل هذا الحديث على جماعة من العلماء، حيث ثبت عندهم أن تحريم الكلام في الصلاة كان بمكة، قبل الهجرة إلى المدينة وبعد الهجرة إلى أرض الحبشة، كما دل على ذلك حديث ابن مسعود الذي في الصحيح، قال: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن نهاجر إلى الحبشة وهو في الصلاة، فيرد علينا، قال: فلما قدمنا سلمت عليه، فلم يرد علي، فأخذني ما قرب وما بعد، فلما سلم قال: "إني لم أرد عليك إلا أني كنت في الصلاة، وإن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث ألا تكلموا في الصلاة". وقد كان ابن مسعود ممن أسلم قديماً، وهاجر إلى الحبشة، ثم قدم منها إلى مكة مع من قدم، فهاجر إلى المدينة، وهذه الآية: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} مدنية بلا خلاف، فقال قائلون: إنما أراد زيد بن أرقم بقوله: "كان الرجل يكلم أخاه في حاجته في الصلاة" الإخبار عن جنس الناس، واستدل على تحريم ذلك بهذه الآية بحسب ما فهمه منها، والله أعلم. وقال آخرون: إنما أراد أن ذلك قد وقع بالمدينة بعد الهجرة إليها، ويكون ذلك فقد أبيح مرتين، وحرم مرتين، كما اختار ذلك قوم من أصحابنا وغيرهم، والأول أظهر. والله أيضاً أعلم. وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا بشر بن الوليد، حدثنا إسحاق بن يحيى، عن المسيب، عن ابن مسعود قال: كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة، فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، فلم يرد علي، فوقع في نفسي أنه نزل فيَّ شيء، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال: "وعليك السلام، أيها المسلم، ورحمة الله، إن الله، عز وجل، يحدث من أمره ما يشاء فإذا كنتم في الصلاة فاقنتوا ولا تكلموا". وقوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} لما أمر تعالى عباده بالمحافظة على الصلوات، والقيام بحدودها، وشدد الأمر بتأكيدها ذكر الحال التي يشتغل الشخص فيها عن أدائها على الوجه الأكمل، وهي حال القتال والتحام الحرب فقال: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} أي: فصلوا على أي حال كان، رجالا أو ركبانا: يعني: مستقبلي القبلة وغير مستقبليها كما قال مالك، عن نافع: أن ابن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها. ثم قال: فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا على أقدامهم، أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها. قال نافع: لا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه البخاري -وهذا لفظه -ومسلم ورواه البخاري أيضاً من وجه آخر عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي، صلى الله عليه وسلم: نحوه أو قريباً منه ولمسلم أيضاً عن ابن عمر قال: فإن كان خوف أشد من ذلك فصل راكباً أو قائماً تومئ إيماء. وفي حديث عبد الله بن أنيس الجهني لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم، إلى خالد بن سفيان الهذلي ليقتله وكان نحو عرفة -أو عرفات- فلما واجهه حانت صلاة العصر قال: فخشيت أن تفوتني فجعلت أصلي وأنا أومئ إيماء. الحديث بطوله رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد وهذا من رخص الله التي رخص لعباده ووَضْعِه الآصار والأغلال عنهم. وقد روى ابن أبي حاتم من طريق شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس قال في هذه الآية: يصلي الراكب على دابته والراجل على رجليه. قال: وروي عن الحسن ومجاهد ومكحول والسدي والحكم ومالك والأوزاعي والثوري والحسن بن صالح نحو ذلك وزادوا: يومئ برأسه أينما توجه. ثم قال: حدثنا أبي حدثنا أبو غسان حدثنا داود -يعني ابن علية- عن مطرف عن عطية عن جابر بن عبد الله قال: إذا كانت المسايفة فليومئ برأسه [إيماء] حيث كان وجهه فذلك قوله: {فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} وروي عن الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وعطية والحكم وحماد وقتادة نحو ذلك. وقد ذهب الإمام أحمد فيما نص عليه، إلى أن صلاة الخوف تفعل في بعض الأحيان ركعة واحدة إذا تلاحم الجيشان، وعلى ذلك ينزل الحديث الذي رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن جرير من حديث أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري -زاد مسلم والنسائي: وأيوب بن عائذ- كلاهما عن بكير بن الأخنس الكوفي، عن مجاهد عن ابن عباس قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة وبه قال الحسن البصري وقتادة والضحاك وغيرهم. وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار حدثنا ابن مهدي عن شعبة قال: سألت الحكم وحمادا وقتادة عن صلاة المسايفة، فقالوا: ركعة وهكذا روى الثوري عنهم سواء.وقال ابن جرير أيضا: حدثني سعيد بن عمرو السكوني حدثنا بقية بن الوليد حدثنا المسعودي حدثنا يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله قال: صلاة الخوف. ركعة واختار هذا القول ابن جرير. وقال البخاري: "باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو" وقال الأوزاعي: إن كان تهيأ الفتح، ولم يقدروا على الصلاة صلوا إيماء كل امرئ لنفسه فإن لم يقدروا على الإيماء أخروا الصلاة حتى ينكشف القتال أو يأمنوا فيصلوا ركعتين فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين فإن لم يقدروا لا يجزئهم التكبير ويؤخرونها حتى يأمنوا. وبه قال مكحول -وقال أنس بن مالك: حضرت مناهضة حصن تسْتَر عند إضاءة الفجر، واشتد اشتعال القتال فلم يقدروا على الصلاة فلم نصل إلا بعد ارتفاع النهار فصليناها ونحن مع أبي موسى ففتح لنا. قال أنس: وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها. هذا لفظ البخاري ثم استشهد على ذلك بحديث تأخيره، عليه السلام، صلاة العصر يوم الخندق بعذر المحاربة إلى غيبوبة الشمس وبقوله عليه السلام، بعد ذلك لأصحابه لما جهزهم إلى بني قريظة: "لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة"، فمنهم من أدركته الصلاة في الطريق فصلوا وقالوا: لم يرد منا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا تعجيل السير ومنهم من أدركته فلم يصل إلى أن غربت الشمس في بني قريظة فلم يعنف واحداً من الفريقين. وهذا يدل على اختيار البخاري لهذا القول والجمهور على خلافه ويعولون على أن صلاة الخوف على الصفة التي ورد بها القرآن في سورة النساء ووردت بها الأحاديث لم تكن مشروعة في غزوة الخندق، وإنما شرعت بعد ذلك. وقد جاء مصرحاً بهذا في حديث أبي سعيد وغيره وأما مكحول والأوزاعي والبخاري فيجيبون بأن مشروعية صلاة الخوف بعد ذلك لا تنافي جواز ذلك؛ لأن هذا حال نادر خاص فيجوز فيه مثل ما قلنا بدليل صنيع الصحابة زمن عمر في فتح تستر وقد اشتهر ولم ينكر، والله أعلم. وقوله: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} أي: أقيموا صلاتكم كما أمرتم فأتموا ركوعها وسجودها وقيامها وقعودها وخشوعها وهجودها {كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} أي: مثل ما أنعم عليكم وهداكم للإيمان وعلمكم ما ينفعكم في الدنيا والآخرة، فقابلوه بالشكر والذكر، كقوله بعد ذكر صلاة الخوف: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:103] وستأتي الأحاديث الواردة في صلاة الخوف وصفاتها في سورة النساء عند قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} الآية [النساء:102].
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} قال الأكثرون: هذه الآية منسوخة بالتي قبلها وهي قوله: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} قال البخاري: حدثنا أمية حدثنا يزيد بن زُرَيع عن حبيب عن ابن أبي مُلَيْكة، قال ابن الزبير: قلت لعثمان بن عفان: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} قد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها -أو تدعها؟ قال: يا ابن أخي لا أغير شيئاً منه من مكانه. ومعنى هذا الإشكال الذي قاله ابن الزبير لعثمان: إذا كان حكمها قد نسخ بالأربعة الأشهر فما الحكمة في إبقاء رسمها مع زوال حكمها، وبقاء رسمها بعد التي نسختها يوهم بقاء حكمها؟ فأجابه أمير المؤمنين بأن هذا أمر توقيفي، وأنا وجدتها مثبتة في المصحف كذلك بعدها فأثبتها حيث وجدتها. قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس في قوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} فكان للمتوفى عنها زوجها نفقتها وسكناها في الدار سنة، فنسختها آية المواريث فجعل لهن الربع أو الثمن مما ترك الزوج. ثم قال: وروي عن أبي موسى الأشعري، وابن الزبير ومجاهد وإبراهيم وعطاء والحسن وعكرمة وقتادة والضحاك وزيد بن أسلم والسدي ومقاتل بن حيان، وعطاء الخراساني والربيع بن أنس: أنها منسوخة. وروي من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان الرجل إذا مات وترك امرأته اعتدت سنة في بيته ينفق عليها من ماله ثم أنزل الله بعد: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} فهذه عدة المتوفي عنها زوجها إلا أن تكون حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها وقال: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ [مِمَّا تَرَكْتُمْ] [النساء:12] فبين ميراث المرأة وترك الوصية والنفقة. قال: وروي عن مجاهد والحسن وعكرمة وقتادة والضحاك والربيع ومقاتل بن حيان، قالوا: نسختها {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} قال: وروي عن سعيد بن المسيب قال: نسختها التي في الأحزاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ] [الأحزاب:49]. قلت: وروي عن [مقاتل و] قتادة: أنها منسوخة بآية الميراث.وقال البخاري: حدثنا إسحاق بن راهويه، حدثنا روح حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} قال: كانت هذه العدة، تعتد عند أهل زوجها واجب فأنزل الله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} قال: جعل الله لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية إن شاءت سكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت وهو قول الله: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} فالعدة كما هي واجب عليها زعم ذلك عن مجاهد: رحمه الله. وقال عطاء: وقال ابن عباس: نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت وهو قول الله تعالى: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} قال عطاء: إن شاءت اعتدت عند أهلها وسكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت لقول الله: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ [فِي أَنْفُسِهِنَّ] قال عطاء: ثم جاء الميراث فنسخ السكنى، فتعتد حيث شاءت ولا سكنى لها ثم أسند البخاري عن ابن عباس مثل ما تقدم عنه. فهذا القول الذي عول عليه مجاهد وعطاء من أن هذه الآية لم تدل على وجوب الاعتداد سنة كما زعمه الجمهور حتى يكون ذلك منسوخاً بالأربعة الأشهر وعشرا، وإنما دلت على أن ذلك كان من باب الوصاة بالزوجات أن يمكنَّ من السكنى في بيوت أزواجهن بعد وفاتهم حولا كاملا إن اخترن ذلك ولهذا قال: {وَصِيَّةً لأزْوَاجِهِمْ} أي: يوصيكم الله بهن وصية كقوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} الآية [النساء:11] وقال: {وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} [النساء:12] وقيل: إنما انتصب على معنى: فلتوصوا بهن وصية. وقرأ آخرون بالرفع "وَصِيَّةٌ" على معنى: كتب عليكم وصية واختارها ابن جرير ولا يمنعن من ذلك لقوله: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} فأما إذا انقضت عدتهن بالأربعة الأشهر والعشر أو بوضع الحمل، واخترن الخروج والانتقال من ذلك المنزل فإنهن لا يمنعن من ذلك لقوله {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} وهذا القول له اتجاه، وفي اللفظ مساعدة له، وقد اختاره جماعة منهم: الإمام أبو العباس بن تيمية ورده آخرون منهم: الشيخ أبو عمر بن عبد البر. وقول عطاء ومن تابعه على أن ذلك منسوخ بآية الميراث إن أرادوا ما زاد على الأربعة أشهر والعشر فمسلم، وإن أرادوا أن سكنى الأربعة الأشهر وعشر لا تجب في تركة الميت فهذا محل خلاف بين الأئمة، وهما قولان للشافعي رحمه الله، وقد استدلوا على وجوب السكنى في منزل الزوج بما رواه مالك في موطئه عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عُجْرَة، عن عمته زينب بنت كعب بن عُجْرَة: أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أخبرتها: أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خُدرة، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا، حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم فقتلوه. قالت: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي في بني خُدرة فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم" قالت: فانصرفت، حتى إذا كنت في الحجرة ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم -أو أمر بي فنوديت له- فقال: "كيف قلت؟" فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي. فقال: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله" قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا. قالت: فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته، فاتبعه وقضى به. وكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث مالك به ،ورواه النسائي أيضاً وابن ماجه من طرق عن سعد بن إسحاق به،وقال الترمذي: حسن صحيح. وقوله: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لما نزل قوله: {مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:236] قال رجل: إن شئتُ أحسنت ففعلت وإن شئتُ لم أفعل. فأنزل الله هذه الآية: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} وقد استدل بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى وجوب المتعة لكل مطلقة، سواء كانت مفوضة أو مفروضًا لها أو مطلقًا قبل المسيس أو مدخولا بها، وهو قول عن الشافعي، رحمه الله. وإليه ذهب سعيد بن جبير. وغيره من السلف واختاره ابن جرير. ومن لم يوجبها مطلقا يخصص من هذا العموم بمفهوم قوله: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} وأجاب الأولون: بأن هذا من باب ذكر بعض أفراد العموم فلا تخصيص على المشهور المنصور، والله أعلم. وقوله: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ} أي: في إحلاله وتحريمه وفروضه وحدوده فيما أمركم به ونهاكم عنه بيَّنه ووضحه وفسره ولم يتركه مجملا في وقت احتياجكم إليه {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أي: تفهمون وتتدبرون.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} روي عن ابن عباس أنهم كانوا أربعة آلاف وعنه: كانوا ثمانية آلاف. وقال أبو صالح: تسعة آلاف وعن ابن عباس: أربعون ألفًا وقال وهب بن منبه وأبو مالك: كانوا بضعة وثلاثين ألفًاوروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كانوا أهل قرية يقال لها: داوردان. وكذا قال السدي وأبو صالح وزاد: من قبل واسط. وقال سعيد بن عبد العزيز: كانوا من أهل أذرعات، وقال ابن جريج عن عطاء قال: هذا مثل. وقال علي بن عاصم: كانوا: من أهل داوردان: قرية على فرسخ من واسط. وقال وكيع بن الجراح في تفسيره: حدثنا سفيان عن ميسرة بن حبيب النهدي، عن المنهال بن عمرو الأسدي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} قال: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارًا من الطاعون قالوا: نأتي أرضًا ليس بها موت حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا قال الله لهم موتوا فماتوا فمر عليهم نبي من الأنبياء فدعا ربه أن يحييهم فأحياهم، فذلك قوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} الآية. وذكر غير واحد من السلف أن هؤلاء القوم كانوا أهل بلدة في زمان بني إسرائيل استوخموا أرضهم وأصابهم بها وباء شديد فخرجوا فرارًا من الموت إلى البرية، فنزلوا واديًا أفيح، فملأوا ما بين عدوتيه فأرسل الله إليهم ملكين أحدهما من أسفل الوادي والآخر من أعلاه فصاحا بهم صيحة واحدة فماتوا عن آخرهم موتة رجل واحد فحيزوا إلى حظائر وبني عليهم جدران وقبور [وفنوا] وتمزقوا وتفرقوا فلما كان بعد دهر مَرّ بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له: حزقيل فسأل الله أن يحييهم على يديه فأجابه إلى ذلك وأمره أن يقول: أيتها العظام البالية إن الله يأمرك أن تجتمعي فاجتمع عظام كل جسد بعضها إلى بعض، ثم أمره فنادى: أيتها العظام إن الله يأمرك بأن تكتسي لحمًا وعصبًا وجلدًا. فكان ذلك، وهو يشاهده ثم أمره فنادى: أيتها الأرواح إن الله يأمرك أن ترجع كل روح إلى الجسد الذي كانت تعمره. فقاموا أحياء ينظرون قد أحياهم الله بعد رقدتهم الطويلة، وهم يقولون: سبحانك [اللهم ربنا وبحمدك] لا إله إلا أنت. وكان في إحيائهم عبرة ودليل قاطع على وقوع المعاد الجسماني يوم القيامة ولهذا قال: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} أي: فيما يريهم من الآيات الباهرة والحجج القاطعة والدلالات الدامغة، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} أي: لا يقومون بشكر ما أنعم الله به عليهم في دينهم ودنياهم. وفي هذه القصة عبرة ودليل على أنه لن يغني حذر من قدر وأنه، لا ملجأ من الله إلا إليه، فإن هؤلاء فروا من الوباء طلبًا لطول الحياة فعوملوا بنقيض قصدهم وجاءهم الموت سريعًا في آن واحد. ومن هذا القبيل الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى أخبرنا مالك وعبد الرزاق أخبرنا معمر كلاهما عن الزهري عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد [ابن أسلم] بن الخطاب عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس: أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد: أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام فذكر الحديث فجاءه عبد الرحمن بن عوف وكان متغيبًا لبعض حاجته فقال: إن عندي من هذا علما، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كان بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا فرارًا منه، وإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه" فحمد الله عمر ثم انصرف. وأخرجاه في الصحيحين من حديث الزهري به. طريق أخرى لبعضه: قال أحمد: حدثنا حجاج ويزيد العمِّي قالا أخبرنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن عبد الله بن عامر بن ربيعة: أن عبد الرحمن بن عوف أخبر عمر، وهو في الشام عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن هذا السقم عذب به الأمم قبلكم فإذا سمعتم به في أرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا فرارًا منه" قال: فرجع عمر من الشام. وأخرجاه في الصحيحين من حديث مالك عن الزهري بنحوه. وقوله: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي: كما أن الحذر لا يغني من القدر كذلك الفرار من الجهاد وتجنبه لا يقرب أجلا ولا يباعده، بل الأجل المحتوم والرزق المقسوم مقدر مقنن لا يزاد فيه ولا ينقص منه كما قال تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لإخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران:168] وقال تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلا أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:77، 78] وروينا عن أمير الجيوش ومقدم العساكر وحامي حوزة الإسلام وسيف الله المسلول على أعدائه أبي سليمان خالد بن الوليد رضي الله عنه، أنه قال:- وهو في سياق الموت: لقد شهدت كذا وكذا موقفًا وما من عضو من أعضائي إلا وفيه رمية أو طعنة أو ضربة وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت العير!! فلا نامت أعين الجبناء يعني: أنه يتألم لكونه ما مات قتيلا في الحرب ويتأسف على ذلك ويتألم أن يموت على فراشه. وقوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} يحث تعالى عباده على الإنفاق في سبيله، وقد كرر تعالى هذه الآية في كتابه العزيز في غير موضع. وفي حديث النزول [أنه يقول تعالى] "من يقرض غير عديم ولا ظلوم" وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود قال:لما نزلت: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله وإن الله ليريد منا القرض؟ قال: "نعم يا أبا الدحداح" قال: أرني يدك يا رسول الله. قال: فناوله يده قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي. قال: وحائط له فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها. قال: فجاء أبو الدحداح فناداها: يا أم الدحداح. قالت: لبيك قال: اخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل. وقد رواه ابن مردويه من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر مرفوعًا بنحوه. وقوله: {قَرْضًا حَسَنًا} روي عن عمر وغيره من السلف: هو النفقة في سبيل الله. وقيل: هو النفقة على العيال. وقيل: هو التسبيح والتقديس وقوله: {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} كما قال: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} الآية [البقرة:261]. وسيأتي الكلام عليها. وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد أخبرنا مبارك بن فضالة عن علي بن زيد عن أبي عثمان النهدي، قال: أتيت أبا هريرة فقلت له: إنه بلغني أنك تقول: إن الحسنة تضاعف ألف ألف حسنة. فقال: وما أعجبك من ذلك؟ لقد سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة". هذا حديث غريب، وعلي بن زيد بن جدعان عنده مناكير، لكن رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر فقال: حدثنا أبو خلاد سليمان بن خلاد المؤدب، حدثنا يونس بن محمد المؤدب، حدثنا محمد بن عقبة الرباعي عن زياد الجصاص عن أبي عثمان النهدي، قال: لم يكن أحد أكثر مجالسة لأبي هريرة مني فقدم قبلي حاجا قال: وقدمت بعده فإذا أهل البصرة يأثرون عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يضاعف الحسنة ألف ألف حسنة" فقلت: ويحكم، والله ما كان أحد أكثر مجالسة لأبي هريرة مني، فما سمعت هذا الحديث. قال: فتحملت أريد أن ألحقه فوجدته قد انطلق حاجا فانطلقت إلى الحج أن ألقاه في هذا الحديث، فلقيته لهذا فقلت: يا أبا هريرة ما حديث سمعت أهل البصرة يأثرون عنك؟ قال: ما هو؟ قلت: زعموا أنك تقول: إن الله يضاعف الحسنة ألف ألف حسنة. قال: يا أبا عثمان وما تعجب من ذا والله يقول: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} ويقول: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ} [التوبة:38] والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة". وفي معنى هذا الحديث ما رواه الترمذي وغيره من طريق عمرو بن دينار عن سالم عن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دخل سوقًا من الأسواق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة" الحديث. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعة حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن بسام حدثنا أبو إسماعيل المؤدب، عن عيسى بن المسيب عن نافع عن ابن عمر قال: لما نزلت {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} [البقرة:261] إلى آخرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رب زد أمتي" فنزلت: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} قال: رب زد أمتي. فنزل: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10]. وروى ابن أبي حاتم أيضاً عن كعب الأحبار: أنه جاءه رجل فقال: إني سمعت رجلا يقول: من قرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] مرة واحدة بنى الله له عشرة آلاف ألف غرفة من در وياقوت في الجنة أفأصدق بذلك؟ قال: نعم، أو عجبت من ذلك؟ قال: نعم وعشرين ألف ألف وثلاثين ألف ألف وما يحصي ذلك إلا الله ثم قرأ {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} فالكثير من الله لا يحصى. وقوله: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} أي: أنفقوا ولا تبالوا فالله هو الرزاق يضيق على من يشاء من عباده في الرزق ويوسعه على آخرين، له الحكمة البالغة في ذلك {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أي: يوم القيامة.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} قال عبد الرزاق عن مَعْمَر عن قتادة: هذا النبي هو يوشع بن نون. قال ابن جرير: يعني ابن أفراثيم بن يوسف بن يعقوب. وهذا القول بعيد؛ لأن هذا كان بعد موسى بدهر طويل، وكان ذلك في زمان داود عليه السلام، كما هو مصرح به في القصة وقد كان بين داود وموسى ما ينيف عن ألف سنة والله أعلم. وقال السدي: هو شمعون وقال مجاهد: هو شمويل عليه السلام. وكذا قال محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه وهو: شمويل بن بالي بن علقمة بن يرخام بن إليهو بن تهو بن صوف بن علقمة بن ماحث بن عمرصا بن عزريا بن صفنيه بن علقمة بن أبي ياسف بن قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام. وقال وهب بن منبه وغيره: كان بنو إسرائيل بعد موسى عليه السلام على طريق الاستقامة مدة الزمان، ثم أحدثوا الأحداث وعبد بعضهم الأصنام، ولم يزل بين أظهرهم من الأنبياء من يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويقيمهم على منهج التوراة إلى أن فعلوا ما فعلوا فسلط الله عليهم أعداءهم فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأسروا خلقًا كثيرا وأخذوا منهم بلادًا كثيرة، ولم يكن أحد يقاتلهم إلا غلبوه وذلك أنهم كان عندهم التوراة والتابوت الذي كان في قديم الزمان وكان ذلك موروثًا لخلفهم عن سلفهم إلى موسى الكليم عليه الصلاة والسلام فلم يزل بهم تماديهم على الضلال حتى استلبه منهم بعض الملوك في بعض الحروب وأخذ التوراة من أيديهم ولم يبق من يحفظها فيهم إلا القليل وانقطعت النبوة من أسباطهم ولم يبق من سبط لاوي الذي يكون فيه الأنبياء إلا امرأة حامل من بعلها وقد قتل فأخذوها فحبسوها في بيت واحتفظوا بها لعل الله يرزقها غلامًا يكون نبيًّا لهم ولم تزل [تلك] المرأة تدعو الله عز وجل أن يرزقها غلامًا فسمع الله لها ووهبها غلامًا، فسمته شمويل: أي: سمع الله. ومنهم من يقول: شمعون وهو بمعناه فشب ذلك الغلام ونشأ فيهم وأنبته الله نباتًا حسنًا فلما بلغ سن الأنبياء أوحى الله إليه وأمره بالدعوة إليه وتوحيده، فدعا بني إسرائيل فطلبوا منه أن يقيم لهم ملكًا يقاتلون معه أعداءهم وكان الملك أيضًا قد باد فيهم فقال لهم النبي: فهل عسيتم إن أقام الله لكم ملكًا ألا تفوا بما التزمتم من القتال معه {قَالُوا وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} أي: وقد أخذت منا البلاد وسبيت الأولاد؟ قال الله تعالى: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} أي: ما وفوا بما وعدوا بل نكل عن الجهاد أكثرهم والله عليم بهم.
|